الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة صاحبك راجل 2: ساعتان من الضحك المتواصل.. حين تنتصر عزيمة الشباب على البيروقراطية الثقافية

نشر في  07 ديسمبر 2025  (19:02)

"إذا أردت أن تهزم فاستسلم، وإذا أردت أن تنتصر فاستمرّ". استحضرنا هذه المقولة المنسوبة إلى الملك الناصر صلاح الدين الأيوبي ونحن نشاهد العرض الأول لفيلم «صاحبك راجل 2».

فالثلاثي قيس شقير وزين العابدين المستوري وأحمد الصيد أصرّوا على النجاح في زمن يعجّ بالعراقيل والبيروقراطية الإدارية التي تكبّل القطاع الثقافي في تونس. لقد حوّلوا الضعف إلى قوة، والأشواك إلى طريق ممهّد نحو التميز.

ففي كل عمل جديد، يثبت هذا الثلاثي أنهم لا يكتفون بالمنافسة فحسب، بل يصرّون على الاستمرارية والتطوير في عالم الكوميديا الذي اختاروه معا. وكلما شاهدنا عملا جديدا لهم خرجنا بنتيجة واحدة وهي أن الموهبة وحدها لا تكفي، فلو اكتفوا بموهبتهم الفطرية، لسبقهم الآخرون منذ زمن بعيد، لكن الإصرار والعمل الدؤوب هما سرّ بقائهم في الصدارة.

سلسلة «صاحبك راجل» حققت نسب مشاهدة استثنائية في نسختها التلفزيونية والجزء السينمائي الأول، نجاح استثمره فريق العمل بذكاء لإنتاج جزء ثان سينمائي . والحدث الأبرز حاليا في المشهد السينمائي التونسي هو صدور فيلم «صاحبك راجل 2» الذي تابعناه في عرضه الأول مساء الجمعة 5 ديسمبر 2025 بقاعة الكوليزي في العاصمة – التي تحتفل هذا العام بمرور 95 سنة على افتتاحها – وذلك بحضور أبطال العمل وعدد كبير جدا من الفنانين والإعلاميين والمهتمين بالشأن السينمائي.

لم تكن الأجواء عادية أمام القاعة، سجاد أحمر، أفيش عملاق للفيلم، صور ضخمة للأبطال، كاميرات، أضواء... وهي سياسة اتصالية جديدة اجتاحت السينما التونسية مؤخرا، مانحة العرض الأول طابعا هوليووديا محلي الصنع.

الفيلم من إنتاج وتوزيع مجمع القوبنطيني، وإخراج قيس شقير الذي شارك في كتابة السيناريو مع زين العابدين المستوري وأحمد الصيد. بطولة كل من كريم الغربي، ياسين بن قمرة، سفيان الداهش، صلاح مصدق، يونس الفارحي، كوثر الباردي، نور الدين بوحجبة، لبنى السديري، وينضم إليهم لأول مرة محمد السويسي، محمد قريع، معز القديري، سميرة مقرون (التي حلّت بدلا من درّة زروق في دور فاطمة)، عزيزة بولبيار، نسيم زيادية، بلال سلاطنية، منى التلمودي، إبراهيم حسني، الصحبي عمر، والطفلان سليمة لطيف ويحيى المحجوبي، مع مشاركة خاصة للفنان الشعبي هشام سلام.


​تنطلق الأحداث بمشهد كوميدي بين سفيان الداهش (تيتو) وياسين بن قمرة (مهدي)، فنكتشف أن تيتو أصبح مخبرا للأمن مقابل طي صفحة قضاياه العديدة ببطاقة رقم 3. ثم نرى من خلال بلال سلاطنية كيف يدير تيتو محل للهواتف الجوالة على ملك عزوز بطرق ملتوية.

المهمة الأساسية التي كلّف بها تيتو هي الإطاحة برئيس عصابة خطير يجسّده محمد قريع بدور مزدوج (أبكم وشخص عادي)، وهنا يحسب للفريق استشارته لمختص في لغة الإشارة لضمان واقعية الأداء.

تتسارع الأحداث وتتصاعد بنسق مشوق، وتتداخل خطوط درامية مع الكثير من المواقف الكوميدية، ومنها اكتشاف عزوز أن لديه ابنا من فاطمة ومحاولة مهدي إخفاء الأمر عنه، ومغامرات تيتو وبخانو مع عصابة "الدب" التي يديرها معز القديري ، إضافة إلى صراعات جانبية طريفة مع شخصيات جديدة. ينتهي الفيلم بمواجهة مليئة بالمفاجآت والضحك، ثم خاتمة مفتوحة تنبئ بجزء ثالث محتمل.

في هذا الجزء، استغل فريق العمل نجاح بعض الشخصيات في الجزء الأول فمنحها مساحة أكبر وكان على رأسهم سفيان الداهش الذي عرف كيف يستثمر دوره على أكمل وجه ويبرز شخصيته الكوميدية بأكثر احترافية، فتيتو في هذا الجزء كان المحرك الحقيقي للأحداث والمواقف الكوميدية وقدّم أداء أكثر نضجا وتحكما.

ومن الشخصيات الأخرى التي حظيت بمساحة أوسع نذكر نور الدين بوحجبة أو باخنو، الذي يعدّ اكتشافا حقيقيا في الكوميديا، إذ قدّم دوره بتلقائية وعفوية خالصتين دون تكلّف أو مبالغة. وهو ما جعل الشخصية ترسخ في الوجدان الشعبي كرمز للصديق المخلص الذي يجمع بين صفة «الغبي والذكي» في آن.

من الشخصيات الرئيسية التي تطوّر حجم دورها وأداؤها مقارنة بالجزء الأول الأكيد كريم الغربي الذي تميّز في شخصية"عزوز" ، حيث منحت الشخصية مساحة كوميدية أكبر بكثير.

يمثل عزوز العمود الفقري للفيلم ويعكس نمطا اجتماعيا مألوفا في المجتمع التونسي، تجتمع فيه البساطة مع التهوّر، شخصية عزوز في الجزأين هي محرّك الأزمات، يتخذ قرارات متسرعة دون تقدير للعواقب، مما يوقعه ويوقع أصدقاءه في مواقف خطيرة ومضحكة في الوقت نفسه، فيخلق سخرية الموقف ببراعة.

ولعل ما جعل كريم الغربي يحوز شعبية جارفة هي الكيمياء الاستثنائية التي يخلقها مع معظم الشخصيات الأخرى، وبخاصة المواقف المتناقضة التي تجمعه مع ياسين بن قمرة وسفيان الداهش.

إذا كان كريم الغربي (عزوز) يمثل التهوّر الفطري في "صاحبك راجل 2"، فإن ياسين بن قمرة في دور مهدي يمثل العقلانية المطلقة، تناقض حاد خلق عشرات المواقف المضحكة، حيث يجد مهدي نفسه متورطا في مشاكل عزوز التي لا تنتهي ويحاول جاهدا تصحيح أخطائه والابتعاد عن الطرق الملتوية، لكنه يضطر في النهاية إلى الانزلاق في متاهات صديقه، مما يولّد حالات من الاستفزاز الكوميدي.

من مفاجآت هذه النسخة التطور الملحوظ في شخصية صلاح مصدق، الذي منح هامشا واسعا من الحرية فاستطاع تقديم إضافة نوعية.

في "صاحبك راجل 2" يظهر جهد واضح في إثراء الطاقم بوجوه جديدة، ورغم أن أغلبهم لم يمنح مساحة كافية، فإن إضافة معز القديري في شخصية المافيوزي «الدب» كانت لافتة. ورغم أن الشخصية بعيدة عن الكوميديا المباشرة، فإنه كان محرّكا فعالا للأحداث وسببا في تسارع الإيقاع من خلال إقحام مشاهد الأكشن في المواجهة بين عصابة «الدب» والأمن.

ولعل ما نلومه على فريق العمل هو تقزيم دور عدد من الشخصيات الجديدة رغم أنه كان بالإمكان استغلال جانبها الكوميدي، ونخص بالذكر بلال سلاطنية ومحمد السويسي وإبراهيم حسني والصحبي عمر – وهي أسماء حققت نجاحات كبيرة في الدراما والمسرح والسينما.

كما تم تقليص مساحة شخصيات ناجحة من الجزء الأول على غرار لبنى السديري (حيث غيّب الجانب الكوميدي في شخصيتها تماما) ويونس الفارحي وكوثر الباردي اللذين كاد حضورهما يغيب.

لا يختلف اثنان أن الساحة الكوميدية التونسية تفتقر إلى وجوه نسائية، لكن هذا لا يمنع وجود أسماء قادرة على فرض موهبتها. من هنا نوجه لوما لفريق العمل في اختيار الوجوه النسائية، ففي الوقت الذي لم تحقق فيه درّة زروق النجاح المطلوب في الجزء الأول، كنا ننتظر تعويضها بممثلة أقوى كوميديا، لكن الفريق سقط للأسف في الفخ نفسه باختيار سميرة مقرون التي لم تقدّم أي إضافة تذكر في هذا العمل الكوميدي دون التوغل في أدائها المتصنع، ويبدو أن البحث عن وجه معروف أوقعهم في هذه الهفوة.

في المقابل ما يحسب لهذا الجزء هو ارتفاع منسوب الضحك والكوميديا بشكل ملحوظ، وهو ما يفند مقولة أن المشهد الكوميدي التونسي فقير، فالسيناريو هذه المرة كان أكثر تماسكا، والكوميديا أذكى وأقل اعتمادا على الفكاهة الفيسبوكية المبتذلة.

أما إخراجيا، فيثبت قيس شقير مرة أخرى أنه الأفضل في هذا المجال في تونس حاليا. الإيقاع كان أسرع وأكثر ديناميكية، والتنقل بين المشاهد تم بذكاء وسلاسة واحترافية عالية. لا ننسى التنويه بمشاهد الأكشن التي أُوكلت إلى فريق مصري بقيادة المخرج محمود طاحون وهو اختيار لا نفهم سرّه تماما والحال أن لدينا مخرجين تونسيين قادرين على تقديم الإضافة في هذا الجانب.

وعلى غير العادة، لن ننتقد هذه المرة الجانب التقني كما نفعل دائما بعد مشاهد أي عمل سينمائي بقاعة الكوليزي، حيث كان العرض الأول "لصاحبك راجل 2 "خاليا من الأخطاء ويحسب له جودة الصوت والصورة والإضاءة التي كانت ممتازة.

"صاحبك راجل 2" يؤكد أن لدينا في تونس جيلا جديدا من صانعي الأفلام الكوميدية قادر على المنافسة محليا وعربيا إذا وجد الدعم اللازم.

الفيلم يقدم ساعتين من الضحك المتواصل، ومن المؤكد أنه سيحقق أعلى الإيرادات في السينما التونسية هذا العام.

هو فيلم تجاري بامتياز، لا مواعظ ولا رسائل ثقيلة، ومن يبحث عن الضحك فقط سيجد ضالته بلا شك.

سناء الماجري